-->

ماذا يحدث في أسواق المال العالمية؟



تريليونات الدولارات تبخرت في ثلاثة أسابيع

جانب من التداولات في بورصة نيويورك («الشرق الأوسط»)

لندن: «الشرق الأوسط»

تبخرت تريليونات الدولارات من قيمة أسواق المال العالمية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية مع التقلبات الحادة التي شهدتها أسواق المال في كل أنحاء العالم.



وشهدت أسواق العملات تقلبا كبيرا أيضا مما دفع الحكومة اليابانية، بحسب صحيفة «نيكي» اليابانية، إلى التفكير في التدخل في سوق العملة في أعقاب ارتفاع الين الليلة الماضية إلى مستوى جديد أمام الدولار.



وذكرت الصحيفة أمس دون أن تنسب تقريرها لمصادر أنه إذا استمر الين في الارتفاع فإن السلطات اليابانية ستتدخل في السوق لإضعاف العملة وستسعى للتوصل إلى تفهم من مجموعة السبع لتحركها المنفرد.



وتدخلت اليابان في سوق سعر الصرف وخففت السياسة النقدية في وقت سابق من الشهر الجاري ولكن هذه الإجراءات لم تمنع الين من الارتفاع مع سعي المستثمرين وراء العملة بوصفها ملاذا آمنا في مواجهة الخطر.



وبحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» بعد أن بدأ الأسبوع الماضي بآمال الاستقرار الذي عُثر عليه مؤخرا، انتهى الحال بالمستثمرين في السوق بأن يشهدوا أسبوعا سيئا مع عودة القلق ليطفو على السطح مرة أخرى.



تعافت مؤشرات البورصة يوم الاثنين من معدلات بيع الأسهم الضخمة التي شهدها الأسبوع الماضي بعد أن أدى خفض وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة في الخامس من أغسطس (آب) الحالي إلى حدوث اضطرابات شديدة في السوق. لكن في منتصف الأسبوع عاودت الأسهم الهبوط مرة أخرى، حيث شعر المستثمرون بقلق من أزمة الديون الأوروبية وتزايد احتمال حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة. وهبط مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» بنسبة 1,5 في المائة يوم الجمعة الماضي وتجاوزت النسبة 4 في المائة عند الإغلاق. لقد كان الأسبوع الرابع على التوالي الذي يشهد فيه السوق تراجعا، حيث ظل المستثمرون على حالة القلق والتوتر. تأتي آخر المؤشرات التي تدل على التوتر من المصارف الأوروبية المحملة بعبء ديون دول أوروبية يعاني اقتصادها من التعثر ومن المحتمل أن يمتد التوتر عبر المحيط الأطلسي.



ورغم الاجتماع الذي عقد في باريس بداية الأسبوع الحالي بين المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي اللذين تعهدا من خلاله العمل على التنسيق بين الدول التي تستخدم اليورو، تراجعت الثقة سريعا في الأسواق، حيث تشككوا مما إذا كان لدى صناع السياسة حلول لأزمة الديون الأوروبية.



أشارت البيانات الاقتصادية العشرية في الولايات المتحدة يوم الخميس إلى تباطؤ مفاجئ في التصنيع وارتفاع في التضخم.



وسوف يتحول الانتباه خلال الأسبوع المقبل إلى المنتدى السنوي لمصرف الاحتياطي الفيدرالي في جاكسون هول في ولاية ويومينغ، حيث تدل المؤشرات التي توضح ثقة بين بيرنانكي، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي، على قوة تعافي الاقتصاد الأميركي.



مهد بيرنانكي في منتدى العام الماضي والذي تزامن مع تباطؤ مشابه خلال منتصف العام الطريق إلى جولة ثانية من مشتريات ضخمة للسندات أو تسهيلات كمية. لكن بعد أن وعد مصرف الاحتياطي الفيدرالي خلال الشهر الحالي بالإبقاء على أسعار الفائدة قصيرة الأجل بالقرب من الصفر خلال العامين المقبلين، يتوقع بعض خبراء الاقتصاد تقديم المصرف المزيد من الحوافز.



كان سعر الإغلاق في أسواق آسيا وأوروبا منخفضا كثيرا يوم الجمعة الماضي وتسرب هذا الشعور إلى الولايات المتحدة. وارتفعت أسعار الأسهم قليلا خلال الساعات الأولى من الصباح، لكنها تراجعت بعد ذلك. وعزى بعض المحللين هذا التراجع إلى عوامل فنية وحجم التداول الضئيل.



وهبط مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» عند الإغلاق 17,12 نقطة أو بنسبة 1,5 في المائة، حيث وصل إلى 1,123,53. وهبط متوسط مؤشر «داو جونز» 172,93 نقطة أو بنسبة 1,57 في المائة، حيث وصل إلى 10,817,65. كذلك هبط مؤشر «ناسداك» 38,59 نقطة أو بنسبة 1,62 في المائة، حيث وصل إلى 2,341,84.



أما الأسبوع الحالي، فقد هبط مؤشر «ستاندرد أند بورز» بنسبة 4,6 في المائة، بينما هبط مؤشر «داو جونز» بنسبة 4 في المائة، و«ناسداك» بنسبة 6,6 في المائة. لكن شهد يوم الخميس الماضي القدر الأكبر من الهبوط، حيث انخفضت المؤشرات بما يزيد على 3 في المائة بسبب القلق المستمر بشأن الاقتصاد ومشكلات الديون الأوروبية.



أسهم الشركات هي الأكثر عرضة لتباطؤ النمو وتضررت الأسهم التي ترتبط بالمصارف. وتراجعت قطاعات مثل التكنولوجيا والمال والصناعة بأكثر من 1 في المائة يوم الجمعة الماضي.



يقول سيث سيتراكيان، الرئيس المشارك في الأسهم الأميركية في «فيرست نيويورك»: «ما زلنا نرى الكثير من الأسماء الحساسة اقتصاديا والتي تقودنا نحو التراجع».



يعود بعض التراجع الذي تشهده «وول ستريت» إلى أسباب فنية. على سبيل المثال، يوم الجمعة الماضي كان يوم انتهاء صلاحية عقود الخيارات وهو حدث يمكن أن يزيد من قابلية السوق للاشتعال أو تحركاته. وسارع المحللون إلى توضيح احتمال أن يؤدي حجم التداول المحدود خلال أي يوم قبل إجازة نهاية أسبوع في فصل الصيف إلى «نزيف» حتى نهاية موسم التداول. وبالطبع شهدت جلسة التداول الهادئة نسبيا في نيويورك تراجعا خلال الساعات الأخيرة.



يقول سيتراكيان: «ما يعد على القدر نفسه من الأهمية هو أن صناع السياسة الذين يستطيعون اتخاذ خطوات بناءة يقضون إجازاتهم في الوقت الحالي. أي نبأ سار تتوقع أن تسمعه في نهاية الأسبوع؟». وأضاف: «لذا الجميع يشارك على نحو محدود. لم تكن البيانات التي تخرج اقتصاديا بناءة». واستمرت أسعار الذهب في الارتفاع الحاد الذي شهدته خلال الأشهر الماضية مما يشير إلى استمرار حدة التوتر. وارتفعت عقود الذهب الآجلة بمقدار 30 دولارا، حيث وصلت إلى 1,848,90 دولار للأوقية.



وأغلقت مؤشرات البورصة الأوروبية الرئيسية على انخفاض، حيث هبط مؤشر «إف تي إس إي 100» في لندن بنسبة 1 في المائة وانخفض مؤشر «يورو ستوكس 50»، الذي يعد مقياسا للأسهم الأوروبية الممتازة، بنسبة 2,15 في المائة.



كذلك شهدت الأسواق الآسيوية تراجعا، حيث انخفض مؤشر «نايكي 225» في اليابان بنسبة 2,51 في المائة، وانخفضت المؤشرات الرئيسية في سنغافورة وهونغ كونغ بنسبة تزيد على 3 في المائة عند الإغلاق.



أعاد التوتر، الذي يسيطر على أسواق المال والذي اعتبره بعض المحللين مبالغا فيه، إلى الأذهان ذكريات توقف الاقتراض بين المصارف بعد انهيار «ليمان براذرز» عام 2008. يقول جورج روسناك، المدير الإقليمي للدخل الثابت في «ويلز فارغو»: «الجميع يخاطر. أوشك أن يصبح ذلك هو التوجه السائد خلال الأسابيع المقبلة. لا نشهد تداولا قويا في الوقت الحالي».



أشار روسناك ومحللون آخرون إلى تزايد القلق بشأن القطاع المصرفي، خاصة فيما يتعلق بتعامل مصارف أميركية مع مصارف أوروبية. فقد دخلت الأسواق الأميركية خاصة في قطاع التكنولوجيا شركة «هيوليت باكارد»، التي تفكر في فصل نشاط الشركة في مجال الكومبيوتر الشخصي من خلال تأسيس شركة منفصلة وتنفق 10 مليارات دولار على مؤسسة «أوتونومي» التي تعمل في مجال صناعة البرمجيات. وانخفض سعر سهم شركة «هيوليت باكارد» بنسبة 20 في المائة أو بمقدار 5,91 دولار، حيث وصل إلى 23,60 دولار. ولم تطرأ تغيرات على سند الخزانة القياسي الذي تبلغ مدته عشر سنوات، حيث ظلت نسبة الأرباح 2,07 في المائة. لكنه انخفض خلال التداول اليومي بنسبة 2 في المائة وهو مستوى انخفاض غير مسبوق يوم الخميس.



يقول روبرت تيب، المدير التنفيذي ورئيس واضعي استراتيجيات الاستثمار في «برودينشال فيكسيد إنكام»: «احتمال النمو ضعيف في أوروبا والبيانات المستمرة عن التراجع في الولايات المتحدة من القضايا الهامة التي تحاول البورصة التعامل معها». وقال إن أزمة الثقة واضحة، حيث حافظ المستثمرون على سيولة أموالهم وتخزينها في أصول الدخل الثابت قصيرة الأجل. لكن من الأمور التي تبعث على القلق حيال الأسبوع المقبل ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي سوف يتمكن من استمرار دفع أرباح السندات الإيطالية والإسبانية. في حال لم يحدث ذلك، ربما تصل تكاليف الاقتراض الإيطالي والإسباني إلى مرحلة حرجة مما يزيد من مخاطر التخلف عن السداد. وانخفضت السندات الإيطالية والإسبانية يوم الجمعة الماضي بنسبة 4,96 في المائة.



وعاد الاضطراب الأسبوع الماضي بقوة مع تخلي المستثمرين عن أسهم الشركات التي ستعاني بشدة حال تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وسقوط الاقتصاد الأميركي بصورة خاصة في ركود جديد.



إلا أن التراجعات التي بدأت في آسيا وأوروبا، يوم الخميس الماضي، حيث لجأ مصرف لم يتم تحديده إلى الاقتراض من المصرف المركزي الأوروبي، توحي بوجود مشكلات في النظام المصرفي يخشى البعض من أن تمتد إلى الولايات المتحدة. وما تزال مشكلة الديون الأوروبية المزمنة تؤرق مصارف القارة نظرا لأن الكثير من أصولها مستثمرة في بلاد المنطقة التي تعاني اضطرابات شديدة.



وقد تدافع المستثمرون على شراء سندات الخزانة الأميركية باعتبارها ملاذا آمنا، رغم عدم ارتياحهم حيال أسلوب تعامل الحكومة مع العجز في الموازنة وتباطؤ عجلة الاقتصاد. وارتفعت أسعار السندات وتراجع العائد على السندات لأجل 10 سنوات لأقل من 2% للمرة الأولى منذ مطلع ستينيات القرن الماضي.



ويقول محللون إن الخوف الذي ساد الأسواق ما يزال باقيا. عن ذلك، قال نيك كاليفاس، محلل لدى «إم إف غلوبال» في نيويورك: «لقد حصلنا على قسط ضئيل من الراحة ليومين، والآن تعاود الأوضاع السابقة الظهور، وأعتقد أن هذا الأمر كان ينبغي توقعه».



وقلل «مورغان ستانلي» من حجم توقعاته للنمو الاقتصادي على الصعيدين العالمي والمحلي، وذلك لعدة أسباب منها توقعه بخفض الإنفاق الحكومي في أوروبا والولايات المتحدة. ووصفت المؤسسة الولايات المتحدة ومنطقة اليورو بأنها «تقترب على نحو خطير من حافة الركود»، محذرة من أن الأمر لن يتطلب كثيرا من الصدمات لتقع المنطقتان بالفعل في هوة الركود.



وانخفضت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 1.97% بمجرد صدور تقرير أنباء من مصرف الاحتياطي الفيدرالي لفيلادلفيا قبل أن تستعيد عافيتها لتغلق عند مستوى 2.07. وتبعا للبيانات الصادرة عن «بلومبرغ»، فإن هذا المستوى المنخفض خلال اليوم كان العائد الأدنى على الإطلاق منذ عام 1962. وأعلنت «غلوبال فايننشال داتا»، وهي جهة إصدار إحصاءات تاريخية مالية واقتصادية، أن هذا كان المستوى الأدنى منذ عام 1950.



من جانبه، قال جيمس دبليو. بولسن، الخبير الاستراتيجي الأول في شؤون الاستثمارات لدى «ويلز كابيتال منيدجمنت»: «الأمر الذي أفزعني اليوم هو الأرقام الصادرة عن مصرف الاحتياطي الفيدرالي. كانت تلك هي أولى الإشارات المتعلقة بالركود».



وأعرب عن الاعتقاد ذاته إريك غرين، الخبير الاقتصادي لدى «تي دي سيكيوريتيز»، حيث قال: «عندما يكون لديك اقتصاد متوقف تقريبا يواجه مثل هذه الرياح، لا يحتاج الأمر كثيرا كي يسقط من على حافة الجرف. عندما تقرأ تقريرا كهذا يساورك الاعتقاد بأننا أوشكنا على السقوط».



وأعلن «كريديت سويس» أنه حال اعتبار الأرقام الصادرة عن مصرف الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا مؤشرا للأوضاع على المستوى الوطني، فإن «من المحتمل أن تبدأ حالة ركود في أغسطس».



من ناحية أخرى، تأججت المخاوف حيال مصارف أوروبا عندما لجأ مقترض لم يتم كشف اسمه إلى برنامج الإقراض المخصص للطوارئ، والذي أسسه المصرف المركزي الأوروبي لضمان توافر مستويات وفيرة من النقد لدى المصارف.



وقد اقترض المصرف 500 مليون دولار، وهو مبلغ متواضع نسبيا، لكن تعد تلك المرة الأولى التي يلجأ فيها مصرف لهذا البرنامج الخاص منذ فبراير (شباط)، الأمر الذي أجج المخاوف من إمكانية مواجهة بعض المصارف على الأقل لمصاعب في توفير الأموال اللازمة لتمويل نشاطاتها.



في المقابل، قلل مسؤولو الجهات التنظيمية والمصارف من إمكانية أن يعيد هذا الوضع الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 عندما أصيبت أسواق الائتمان بشتى أرجاء العالم بحالة من الجمود.



إلا أن هذه الأنباء، بجانب تقرير صدر أشار إلى أن مصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك يراقب في الأسابيع الأخيرة الفروع الأميركية للمصارف الأوروبية عن كثب، دفعت أسهم المصارف نحو الانخفاض في أوروبا، ثم في الولايات المتحدة.



وتراجعت أسهم «ديكسيا»، وهو مصرف بلجيكي ضخم، بنسبة 14%، وتراجع «سوسيتيه جنرال» بنسبة 12.3%. ومنيت أسهم مصرفين بريطانيين، رويال بانك أوف سكوتلاند وباركليز، بتراجع حاد. داخل الولايات المتحدة، انخفضت أسهم «سيتي غروب» بنسبة 6.3% إلى 27.98 دولار، وانخفضت أسهم بانك أوف أميركا بنسبة 6% إلى 7.01 دولار.



وربما تكون المصارف الأميركية في وضع مالي أفضل عما كانت عليه خلال الأزمة المالية عام 2008، لكن تراجعات الأسهم تعكس مخاوف من أن المشكلات التي يعانيها المقرضون الأوروبيون قد تمتد إلى الضفة الأخرى من الأطلسي.



وقال غرين من «تي دي سيكيوريتيز»: «هذا مجرد جزء من مجمل المشاعر السلبية التي تسود الأسواق».

0 تعليق على "ماذا يحدث في أسواق المال العالمية؟"

إرسال تعليق